أخبار وطنية الإرهاب والاقتصاد والولايات المحرومة والتهاب الأسعار وعدم الثأر.. يا سي الباجي
بقلم: محمد المنصف بن مراد
كلّ المؤشّرات تدل على انّ حزب نداء تونس سيفوز بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعيّة التي دارت يوم 26 أكتوبر 2014 في حين ان حركة النهضة ستحتلّ المرتبة الثانية (المقال مكتوب صبيحة الاثنين).
وإن تأكّدت النتائج الأوّلية فعلى الفائزين أن يحترموا كل منافسيهم بمن في ذلك النهضويون الذين هم تونسيون ولهم مكانتهم في السّاحة وإن اختلفنا معهم.. ففي جميع الحالات لابدّ أن تتأسّس بعد الانتخابات علاقات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل وقبول النتائج بصدور رحبة مع استنتاج الدروس المفيدة..
انّ شخصية السيد الباجي قائد السبسي كان لها دور فعّال في نجاح حزبه... لقد وضع «ابن بورقيبة» بمواقفه حدّا لتشدّد الترويكا واستقطب كل الرافضين لحزب النهضة وتهديدات المرزوقي وتخاذل التكتل وخطب المتشدّدين على غرار عبد الرؤوف العيادي وأمثاله وخاصّة حزب المنصف المرزوقي وصقور النهضة.. لقد كان الباجي قائد السبسي رمزا بالنسبة لعدد هامّ من النّاخبين حتى وإن كانوا لا يحملون فكرة ضافية وشافية عن برنامج حزبه.. لقد أثّرت شخصية الباجي قائد السبسي تأثيرا كبيرا نظرا الى ما يتمتّع به من كاريزما واعتدال سواء في خطبه أو في مواقفه من الخيارات المتشدّدة للترويكا!
أمّا بخصوص حزب نداء تونس فقد التجأت إليه أعداد هامّة من المواطنين لأنه البديل الوحيد للأحزاب المتشدّدة وخاصّة لحركة النهضة التي لم تنجح في تصريف شؤون البلاد وهددت الوسطيّة التي تعدّ أحد أبرز المقوّمات التي تميّز عيش التونسيين الذين لم يتعوّدوا على الخطب المتعصّبة والمتطرّفة في الجوامع ولا على الاستحواذ على مفاصل الدولة من قبل سياسيين منغلقين فكريا طالبوا بقطع الأيادي وبتعنيف الإعلاميين وبعدم المساواة بين المرأة والرجل، وقاطعوا القوى الحيّة في البلاد من مثقّفين ومبدعين وفي الوقت نفسه أحكموا قبضتهم على المواقع الحسّاسة في وزارتي الداخليّة والعدل وعلى وزارات عديدة أخرى وكذلك على الإدارة من ولايات ومعتمديات..
لقد رفضت نسبة كبيرة من التونسيين خيارات الترويكا وصوّتوا لفائدة حزب نداء تونس الذي طمأن التونسيين ووعدهم بالمحافظة على ذاكرة تونس الوسطية وبتغيير سياسات الترويكا التي فشلت في أغلب ما فعلت. لقد كان نداء تونس الحزب الوحيد الذي قدّم للتونسيين مشروعا وسطيا يتعارض بصفة راديكاليّة مع مشروع الترويكا. لقد كان نداء تونس حزب الأمل الأخير والبلاد تتخبّط في أزمة خانقة.
أمّا انهيار حرب المؤتمر للمنصف المرزوقي فهو مرتقب لأنّ الرّجل الأول فيه تهجّم على المعارضين والإعلاميين وكان متسامحا مع المتشدّدين الدينيين واستقبل لجان حماية (والأصحّ تخريب) الثورة في قصر قرطاج وهدّد المعارضين بالمشانق، وقد ظلّ متشنّجا في خطبه ودأب على توعّد الأحزاب الديمقراطية.. وفضلا عن ذلك فإنّ مواقفه ذات العلاقة بالسياسة الخارجيّة والمستنسخة من مواقف دولة قطر غيرت ان لم أقل شوّهت صورة تونس الوسطيّة.. واعتقادي راسخ أنّ حزب المؤتمر فقد اشعاعه نتيجة تصلّب خطابه ومساندته لحركة النهضة وكأنّه نسخة منها في تصوّره للدّين..
ولن أذيع سرّا إذا قلت انّ «التكتّل» الذي يترأسه مصطفى بن جعفر افتقد شعبيّته عندما اقترب من النهضة ولم تكن له مواقف شجاعة لإرغام هذه الحركة على عدم الاستحواذ على وزارات السيادة ولإجبارها على التصدّي للارهاب وعدم اركاع وزارتي الداخلية والعدل..
ثمّ فقد «التكتّل» و«المؤتمر» أعدادا من ناخبيهما لأنّهما ينتظران من حركة النهضة ترشيح بن جعفر أو المرزوقي لمنصب رئيس الجمهورية فأصبحا يغازلان هذا الحزب وهما على علم ان ترشّحهما في الانتخابات الرئاسية رهين قرار من النهضة!
وإضافة الى فشل «التكتّل» و«المؤتمر» فقد فشل الحزب الجمهوري بعد أن كان ينتظر من حزب النهضة ترشيح السيد نجيب الشابي للرئاسة، وبذلك فقد أغلب مناصريه لأنّ المعتدلين وعددا من الديمقراطيين يرفضون رفضا قطعيّا هذا التقارب الغريب بين حزب ـ لو حافظ على هويّته الديمقراطية والمدنية ـ ربما لكان انتصر في انتخابات 2011، وبين حزب أعلن حمادي الجبالي أنّ من أهدافه إقامة الخلافة السادسة!!
أمّا حزب المحبّة الذي قدّم وعودا تفتقر لكل مصداقية ودافع بشراسة عن تطبيق الشريعة فقد هجره أنصاره في حين ان التحالف الديمقراطي الذي كانت له مواقف غير واضحة من النهضة، فقد خسر الكثير في حين انّ حزب المسار الذي تعوزه الامكانات المادية انهار رغم قيمة قيادييه لأنّ الديمقراطيين خيّروا النداء....
أما الجبهة الشعبية فقد نجحت في بعض الولايات مثبتة أنّ لها مناضلين وقاعدة شعبية في تونس الأعماق.. وإذا فاز حزب سليم الرياحي أي الاتحاد الوطني الحرّ واحتل المرتبة الثالثة بعد «النداء» و«النهضة» فالفضل في ذلك يعود الى أنصار النادي الافريقي والى أموال رئيسه.
خلاصة القول، انّ أغلبيّة الشعب التونسي ترفض ان يحكمها حزب له مرجعيّة دينيّة او المتشدّدون أو الانتقاميّون أو دعاة المشانق وهي حريصة على استقرار البلاد واستتباب الأمن فيها والتحكّم في الأسعار والتصدّي للارهاب وتنمية الجهات مع استقلال القضاء وحرّية الإعلام والحفاظ على حقوق المرأة والقضاء على الأوساخ!
ومن أهمّ الاستنتاجات التي خرجنا بها من موعد 26 أكتوبر، هو أنّ المسار الانتخابي برهن على انه لا مكانة سياسية في تونس للصّقور، والثابت أنّ الشعب سيكون بالمرصاد لكلّ المتطرّفين فهو يتطلّع الى حكومة تخدم تونس، لا الأحزاب مع العلم انّ ايجاد حلول لثلاث سنوات من الفشل «الترويكي» يتطلّب عملا شاقّا ونفسا طويلا وسنوات من الصبر... وما ينتظر حزب السيد الباجي قائد السبسي هو الاهتمام بمكافحة الارهاب وانعاش الاقتصاد والولايات المحرومة والتهاب الأسعار لأنّ هذه الملفّات من أولويات المواطنين في انتظار التحييد الحقيقي لوزارة الداخلية والاهتمام بالإعلام ووزارة العدل وتحييد المساجد.
وفي الانتظار لابدّ من التصدّي لكلّ من سيرفض نتائج الانتخابات وهم كثيرون!